United People Of Machghara
إتحاد أبناء مشغرة في أميركا الشمالية

حسن عواضة : الدكتور و القاضي

حسن عواضة

مضى إلى النهاية ومشى

قانوني، تميّز بالجدية والنزاهة والاستقامة والجرأة في مواجهة التحديات، حتى وان أتت من أعلى المقامات.
لم تغره المناصب ولا نجحت في زعزعة قناعاته أو مواقفه، فبميزان الحق والعدل وراحة الضمير وحده وزن أحكامه. عيّنه الرئيس فؤاد شهاب أول رئيس للتفتيش المالي بعد إنشاء التفتيش المركزي في الجمهورية اللبنانية العام 1959.
انه الدكتور القاضي حسن عواضة، الذي تفوّق في حياته المهنية، محققاً النجاح تلو الآخر، والانسان المتواضع، الذي يأسرك حضوره المحبّب وذكاؤه الحاد.

جار قمر مشغرة
ولد حسن عواضه في بلدة مشغرة البقاعية العام 1923، وهو الابن البكر لعائلة مؤلفة من ستة أولاد. والده السيد عقل عواضة من وجهاء البلدة، ووالدته السيدة زينب هدلا.
نشأ وترعرع في جارة القمر، البلدة الصناعية بامتياز، حيث الدباغات واليد العاملة النشيطة،  وفي هذا الجو بدأت تتسرب إلى نفسه مفاهيم العدالة الاجتماعية.
درس اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم وهو في الثامنة من عمره في مدرسة يشرف عليها رجال دين، قبل انتقاله إلى المدرسة الكاثوليكية في البلدة، حيث تفوّق على أقرانه في ترتيل الإنجيل. مشهدان متداخلان يعتبرهما القانوني الشهير أساسًا في تكوين شخصيته ونظرته إلى الأمور بعين تتجنب المظاهر الطائفية البغيضة.
العام 1935 التحق بالمدرسة الرسمية في مشغرة، ونجاحه في الشهادة الابتدائية (السرتيفيكا) العام 1939 دفعه إلى شدّ الرحال نحو بيروت لمتابعة تحصيله العلمي وهو في الثانية عشرة من عمره.
في العاصمة أمضى سنوات في تكوين هويته العلمية، حيث نال الشهادة المتوسطة (البروفيه) العام 1939، وفي هذه السنة انتسب إلى دار المعلمين ونال بتفوّق شهادة خوّلته ممارسة مهنة التعليم، وكانت سبباً لعودته إلى مشغرة وتعيينه أستاذًا في مدرسة سحمر البلدة القريبة من مشغرة.
وفي تلك الفترة تابع دراسته الثانوية بموجب طلب حر، وحاز شهادة البكالوريا القسم الأول العام 1940والقسم الثاني العام 1942.
صورة محزنة تركت آثارها في نفس أستاذ المدرسة حسن عواضه، ولطالما وقف حائرًا، وهو يشاهد الصفوف تخلو في المواسم الزراعية من تلاميذها المتجهين إلى الحقول لمساعدة ذويهم في الزرع والقطاف، فالظروف المعيشية الصعبة كانت تمنع الأهالي من استخدام العمال. لم يقف مكتوف الأيدي حيال الوضع القائم، فقد نظّم نشاطاً أسبوعيًا،  يساعد من خلاله التلامذة المزارعين خارج الدوام المدرسي.
تعيينه مديرًا لمدرسة مشغرة الرسمية العام 1945، لم يقفل معابر الطموح لديه، بل دفعه إلى إكمال دراسة الحقوق التي كان بدأها قبل سنتين في جامعة القديس يوسف (اليسوعية) في بيروت. وهكذا عاد وحطّ رحاله في العاصمة من جديد،  طالبًا خلال النهار وناظرًا في معهد الصنائع خلال الليل، الأمر الذي أتاح له الاقتصاد في مصروف السكن وسواه.
في الجامعة لم يكن مجـرد طالب عادي، وها هو يقف داخل الحرم الجامعي خطــيبــًا في الطلاب، مطــالـبًا بجـلاء القـوات الفرنــسية عن لبنان. أغاظــت خطبتـه مديـر الجامـعــة (فرنسي الجنسية)، فقرر منعه من دخول الجامعة، لكن، وبتدخل من صديق الطرفين الدكتور فؤاد افرام البستاني حُلّ هذا الإشكال، ونال حسن عواضه إجازة في الحقوق العام 1946.

الدكتور والقاضي
تفوّق حسن عواضه على ظروفه ونال شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة باريس العام 1949، كما نال دبلومًا في العلوم الجنائية من الكلية نفسها العام ذاته. حبه لهذا «الوطن الرائع»، كما يقول، دفعه إلى رفض عدة عروض للعمل في فرنسا. فعاد وفي جعبته مشروع  لتحقيق تغييرات هيكلية عميقة في الجسم القضائي والإداري في لبنان، قدّمه للسلطات المختصة.
عيّن الدكتور عواضه قاضياً في القضاء العدلي العام 1951، وكان يطمح إلى إنجاز أمر مهم كما يقول. وفي غمرة مهامه دعاه صديقه الكسي بطرس لإعطاء محاضرات في قسم الحقوق التابع «للأكاديمية اللبنانية» التي يديرها، هناك أصبح زميلاً في التعليم (1955) لأساتذة كبار أمثال إدمون رباط، وغسان تويني وكمال جنبلاط، وقد ربطته بالأخير علاقة مميزة.
بعدها أصبح أستاذًا محاضرًا في كلية الحقوق والعلوم السياسية في بيروت – الجامعة اللبنانيــة، ( 1959 – 1992) في مواد: المالية العامــة، القانون الضريبي والاقتصاد المالي. كما أعطى المحاضرات في المعهد الوطني للإدارة في بيروت (1960- 1972)، وهو ما زال ولغاية اليوم أستاذًا محاضرًا في كلية الحقوق والعلوم السياسية والاقتصادية (الفرع الفرنسي – قسم الدراسات العليا)، كما أنه يشرف على الأطروحات في الدراسات العليا في كلية الحقوق- الجامعة اللبنانية.

شجاعة وأمانة في مواجهة التحديات والضغوط
واجه القاضي حسن عواضه خلال مسيرته القضائية تحديات جمّة وضغوطًا من كل الجهات، تقديم فروض الطاعة لزعيم سياسي.
تعرض لضغوط سياسية كثيفة لإقفال عدة ملفات، ولكنه واجهها بالمضي قدمًا في التحقيق، وصولاً إلى إحقاق الحق.
مارس حسن عواضه سياسة شجاعة في مواجهة القوى المالية والسياسية، المتحكّمة بمفاصل النظام السياسي والاقتصادي اللبناني. جدية القاضي عواضه ونزاهته فضلاً عن صداقته لـ«زميله» الرئيس الراحل الياس سركيس، لفتت انتباه رئيس الجمهورية فؤاد شهاب، الذي عيّنه أول رئيس للتفتيش المالي، بعد إنشاء التفتيش المركزي في الجمهورية اللبنانية العام 1959.
المسؤولية الجديدة التي أنيطت به، أتاحت أمامه فرصة التعّرف على العالم الداخلي للدولة اللبنانية. تحقيقاته حول المخالفات في عدة ملفات، لم يوقفها بريق الإغراءات المادية التي لوّحت بها جهات نافذة.
تحقيقاته وتقاريره حول العديد من القضايا، وضعت الأمور في نصابها وأزعجت بالتالي كثيرين من أصحاب النفوذ والسلطة.
منطق المحاصصة الطائفية منع تعيينه رئيسًا لديوان المحاسبة، في عهد الرئيس  شارل حلو الذي عرض عليه منصبًا وزاريًا، ولكنه اعتذر مفضّلاً المنصب القضائي.
الموقف نفسه تكرر العام 1976، حيث عرض عليه الرئيس الياس سركيس منصبًا وزاريًا في أولى حكومات عهده، لكنه اعتذر انطلاقاً من اقتناعه باستحالة تطبيق أفكاره الإصلاحية في ظل الواقع الطائفي القائم.
العام 1972، قدم استقالته من الخدمة العامة، وخرج للعمل في مهنة المحاماة، حيث أسس له مكتبًا في منطقة الحمرا، ومن ثم انتقل إلى منطقة بدارو.
يضمّ مكتبه اليوم عشرة محامين في الاستئناف وخمسة متدرجين من جميع الطوائف، ويعالج أهم القضايا المالية والتجارية والمصرفية داخليًا وخارجيًا.

 قل آمنت بالله
علماني ونزيه، عاش حياته مؤمنًا ومطبقًا مقولة «قل آمنت بالله ثم استقم».
علاقة حسن عواضه بالعقل والواقع علاقة لا تقبل الجدل أو التعديل، وقد يكون ذلك سببًا  لرفضه المقعد النيابي من طرفي المعارضة والموالاة على السواء في الانتخابات النيابية الأخيرة، لأنه لا يريد أن يفقد استقلاليته بفعل الظروف السياسية القائمة. وعلى الرغم من تقدمه في العمر لا يزال يخصص الحيّز الأساسي من وقته لمكتبه القانوني، إلى جانب عنايته بأسرته وسفره الدائم إلى الخارج لمشاهدة أحفاده الستة. أكثر ما يحزّ في نفسه فقدانه مكتبته الحقوقية في زمن الحرب.

العائلة
تزوج الدكتور حسن عواضه العام 1954من حب حياته، السيدة السورية عفاف ألني (كانت أستاذة في دار المعلمين)، وأسسـا عائلة سعيدة، متماسكة ومؤلفة من ثلاثة أولاد:
– حسان (طبيب اختصاصي في أمراض الروماتيزم والمفاصل) كان يشغل منصب المدير الطبي في مستشفى أوتيل ديو، وهو اليوم يمارس مهنة الطب ومسؤول في أرقى المستشفيات الفرنسية، (متزوج).
– سوسن عواضه (دكتوراه بالهندسة المعمارية)، متزوجة ، تعمل في مجال الهندسة وتقيم  في فرنسا.
– أيمن ( حائز شهادة في الهندسة المعلوماتية) ويشغل منصب مدير شركة أميركية فرنسية في فرنسا، (متزوج).

منشورات ومحاضرات
في جعبة الدكتور حسن عواضة العديد من المنشورات والمحاضرات في الاقتصاد المالي، والنظام الضريبي والإطار الاقتصادي والمالي للدبلوماسية والإنماء وسواها…
وآخر محاضراته كانت تحت عنوان «الإصلاح المالي ودوره في التنمية الإدارية»، ألقيت في مؤتمر «الإصلاح الإداري في لبنان»، الذي نظّمه منتدى الفكر التقدمي بالاشتراك مع مؤسسة فريدريك إيبرت العام 2002.

دروع تقديرية
تقديرًا لعطاءاته ونزاهته حاز الدكتور حسن عواضة على درعين، الأول من وزارة التنمية الادارية في عهد الوزير فؤاد السعد، والثاني من الحركة الثقافية في أنطلياس.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.